• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

الاستعداد الصالح لرمضان "خمس خطط استراتيجية لإدراك خير رمضان" (خطبة)

الاستعداد الصالح لرمضان خمس خطط استراتيجية لإدراك خير رمضان (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/2/2025 ميلادي - 20/8/1446 هجري

الزيارات: 24566

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستعداد الصالح لرمضان

"خمس خُطط استراتيجية لإدراك خير رمضان"


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

أيها المسلمون، هل رأيتم عاقلًا يفرِّط في موسم ربحٍ يقدر على الفوز فيه، وينشغل بغيره مما لا يساويه، ويقرأ الإعلانات الصادقة التي تخبر عن كثرة خيراته، ثم لا يجعله غاية من غاياته؟

 

إن الأذكياء من الناس في هذه الدنيا إذا سمعوا عن مناسبة كسب وانتفاع طاروا إلى انتهازها، والظفر بغنائمها، كأن يكون فيها مال كثير، أو ربح آخر وفير، بل إنهم لَيستعدون لتلك الفرصة مبكِّرين، ويعيشون لها قبل أوانها مخطِّطين.

 

وقد كان من عادة العرب مع الخيل إذا أرادوا لها أن تسرع جدًّا في جريها لسباق أو غيره أن يضمِّروها قبل ذلك مدةَ أربعين أو ستين يومًا، في كيفية معينة معلومة عندهم، وبعد التضمير تصبح أسرع وأقوى في الحرب والسباق، حتى كانوا يمدحون بها، كما قال شاعرهم:

وَلما لَقينَا عُصبَةً تغلبيةً
يقودونَ جُردًا للمنيّةِ ضُمَّرا
سقيناهمُ كأسًا سَقونا بِمِثْلِهَا
وَلَكنَّهُمْ كَانُوا على الْمَوْتِ أصبرا[1]

 

عباد الله، نحن في الثلث الأخير من شهر شعبان ونسمع ونرى ناسًا قد أعدوا، ولشهر رمضان قد استعدوا؛ أصحاب التجارات الغذائية والملبسية، وأصحاب البرامج والمسلسلات وسائر الأعمال الإعلامية، كل قد صارت له خطة رمضانية جاهزة من أجل الربح المالي، أو النجاح الإعلامي.

 

لكن طلاب الآخرة هل استعدوا كما قد استعد أولئك، وأبرموا من الخُطط كما أبرموا لذلك؟ وخير رمضان إنما لأجلهم شُرِع، ولغاية سعيهم الصالح فيه قد وضِع.

 

لماذا نستعد قبل رمضان لرمضان معشر المسلمين؟

نستعد لرمضان؛ لأنه إجازة الروح السنوية، ففي قوانين التوظيف في الشركات الدنيوية سُنَّت مادة الإجازة للموظف في كل عام؛ من أجل إراحة بدنه عدة أيام، فكذلك الروح فإنها تثقل بالشهوات في أحد عشر شهرًا، فيأتي رمضان ليريحها قليلًا لتحلِّق في منازل السمو والصفاء.

 

ونستعد لرمضان؛ لأنه مصفاة نفسية، ومحطة زاد إيمانية، ومدرسة تربوية نموذجية، ومحفل لطاعات كثيرة العوائد والأجور، وزمن يتفضل الله فيه على عباده بأفضل مما يتفضل عليهم في سائر الشهور، فهو شهر النفحات الإلهية الكبرى، والعطايا الربانية العظمى، فحريٌّ بنا أن نتعرض لها، ونحرص على الفوز بها.

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»[2].

 

أيها المؤمنون، تفصلنا عن رمضان أيام معدودة، ثم يهلُّ هلال اليُمْن والبركات، وتشرق شمس الفضل والخيرات، فما أعظم النجاح في الظفر بخيراته! وأكرم بمن صار من الفائزين بكراماته! ولبلوغ هذه الغاية الحميدة، والوصول لتلك اللحظات السعيدة هناك خمس خُطط استراتيجية، جدير بنا أن تكون خططنا لاستقبال شهر رمضان المبارك.

 

الخُطة الأولى: الخُطة التمهيدية:

إنه من العظيم حقًّا-معشر المسلمين-أن يستعد المسلم بالأعمال الصالحة في شعبان استقبالًا لرمضان؛ كالنافلة بين يدي الفريضة، ومن تلك الأعمال: قراءة القرآن، والإكثار من الصيام، وهذا هو هدي قدوتنا الأمين عليه الصلاة والسلام:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"[3].

 

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"[4].

 

قال ابن رجب رحمه الله: "وقد قيل: في صوم شعبان معنى آخر: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكُلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

 

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.. قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القُرَّاء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن"[5].

 

ومن بنود الخطة التمهيدية: الاستعداد بعملية التنظيف الإيماني؛ وذلك بعمل التخلية قبل قدوم زمن التحلية، فمن كان مقيمًا على معصية، أو عادة سيئة فليقلع عنها، وليتب منها؛ حتى تتمكن الأنوار الرمضانية من ملء آفاق النفس الإنسانية بعد طرد جحافل الظلام الشيطانية؛ فالقلب لن يمتلئ بالنور وهناك مزاحم له من الظلام الكثيف.

مضى رجبٌ وما أحسنتَ فيه
وهذا شهرُ شعبانَ المباركْ
تداركْ ما استطعتَ من الخطايا
بتوبةِ مخلصٍ واجعلْ مَداركْ
على طلبِ السلامةِ من جحيمٍ
فخيرُ ذوي الجرائمِ مَنْ تداركْ[6]

 

ومن بنود الخطة التمهيدية: التزوُّد المعرفي عن شهر رمضان:

فجميل أن يلج المسلم أبواب رمضان وقد عرف أحكامه وآدابه؛ فيعلم أركان صيامه ومبطلاته، ورخصه ومستحبَّاته، وهذا من العلم الذي ينبغي الحرص عليه، بل منه ما يكون واجبًا على كل مسلم قادر على تحصيله.

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»[7].

 

الخطة الثانية: خطة المهجورات:

أيها الأحِبَّة الكرام، هناك أمور في رمضان ينبغي أن نهجرها، وأن نتباعد عن قربها؛ لعظم ضررها على صيامنا، وتكديرها صفاء عبادتنا، ومن تلك الأمور التي يجب هجرها: الذنوب صغيرها وكبيرها.

 

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»[8].

 

ومن الأمور التي ينبغي هجرها: ما يُعرض في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل من المسلسلات التي تخدش الأخلاق والحياء، وتدعو إلى السوء والبذاء.

 

ومما يُهجر في رمضان: تضييع الأوقات فيما لا يعود على الإنسان بمصلحة مشروعة، فما أكثر ما تشاهدون من لعب بعض الناس بوقتهم الثمين في رمضان! إما بالسهر على القيل والقال حتى السحر، وإما بكثرة الذهاب والمجيء في الشوارع والأسواق من غير هدف.

 

ومن أعظم ما ينبغي هجره في شهر الصيام: الإسراف في الطعام، وإطالة زمن المنام.

 

فهل من العقل لمن عرف الحكمة من شرعية الصيام: أن يجعل رمضان موسمًا لتكثير الأكل وتعذيب المعدة به، وهل من العقل أيضًا لمن يدري نفاسة نهار رمضان أن يقضيه في نوم طويل، فلا يدرك من نهار الصيام إلا سويعات أو لحظات فقط!

 

فلنفكر ثم لنقرر.

 

كم هو عظيم أن يقدر الصائم في رمضان على كبح جماح نفسه، وضبط سلوكها السيئ؛ كشدة الغضب والعدوان في البيت، وفي السوق، وعند قيادة سيارته، ولا سيما بعد العصر.

 

قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ، عَنِ الْكَذِبِ، وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً"[9].

 

وكم هو دليل على المشاعر الحية، واحترام الناس: أن يحرص المسلم في رمضان على هجر ما يدعو إلى إيذاء الآخرين، خاصة في وقت هدوئهم وراحتهم، فلا يزعجهم بعالي صوته أو مسجله، أو سيارته أو دراجته النارية، أو لَعب أطفاله وإطلاقهم الألعاب النارية أو تفجيرهم إياها.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].

 

عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»[10].

 

الخُطة الثالثة: خطة العبادات:

أيها الإخوة الفضلاء، إن رمضان شهر العبادة الرحيب، وموسم الطاعة الخصيب، والموفَّق حقًّا من كان له فيه من العبادات نصيب وافر، وجدول بأنواع من الطاعات زاخر؛ فكم للقُربة فيه من مزية، ووسائل معينة؛ فرمضان يتباهى على سائر شهور العام بتيسير العبادة فيه؛ لحبس شياطين الإغواء، وتحرر النفس من تسَلُّط الأهواء؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ-وفي رواية: فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ-، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» [11]، وفي رواية: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ»[12].

 

ويزهو شهر رمضان في العبادات بمضاعفة الحسنات؛ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ»[13].

 

فما أجمل أن تحرص-أيها المسلم الكريم-في رمضان على الإكثار من قراءة القرآن؛ فشهر رمضان هو شهر القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:185]، واسمع ما قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أجور من يقرأ القرآن؛ قال: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[14].

 

أما لو كان لك قراءتان: قراءة للتدبر، وقراءة لكثرة التلاوة، فهذا خير عظيم، وغنم كبير.

 

ورمضان شهر عبادة الجود والكرم، فمد يديك بالصدقات، وسارع بمالك في قضاء الحاجات؛ فالمرء تحت ظل صدقته يوم القيامة، وهكذا كان حال رسولنا الكريم في رمضان؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»[15].

 

ورمضان شهر عبادة الدعاء، فكم من دعوة استُجيبت في رمضان، ولو نظرتم في آيات الصيام ستجدون قول الله في أثنائها: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

 

وكم يزخر رمضان بعبادات أخرى؛ من ذكر باللسان، وصلاة نوافل، وبذل للمعروف، وإغاثة للملهوف، فكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال فبادر إليه في شهر الصيام؛ فإنك لا تدري ما العبادة التي ستنيلك رضوان الرحمن.

 

الخُطة الرابعة: خطة المُعِينات الخارجية:

إن المسلم قد تكون له نية إلى الخير حسنة، وعزيمة إلى الصالحات متَّقدة، غير أنه قد يفتر عزمه، وتخبو جذوة همته بالمؤثرات الخارجية التي لا تعين على خير، ولا تحذر من شر، فماذا يفعل المسلم المحب للخير وهناك أسرة عنه تصده، وجلساء يدعونه بإلحاح إلى ضده، وبيئة مليئة بمظاهر اللهو والإعراض، وقد خلا سمعه من موعظة تنفعه، ولم تعتد إلى المساجد قدمه؟

 

إن النتيجة الحتمية لذلك هي: المضي مع تلك الموجة اللاهية، والسير في دروب تلك العصبة النائية.

 

لهذا يا عباد الله، إذا كان لدى المرء منا خطة صالحة لرمضان فإنه يحتاج في تنفيذها إلى معينات؛ فمن تلك المعينات: الأسرة المشجِّعة على الخير؛ من زوجة وأولاد، أو أب وإخوة وأخوات؛ فإن البيت الصالح معين على الصلاح لمن ولد فيه ومن سيولد؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 34].

 

لهذا علينا أن نربي أهلنا وأولادنا على معرفة قدر رمضان، وأهمية استغلاله في صالح العمل.

 

وإذا أردت معينًا آخر على طاعات رمضان: فاتخذ إخوة صلحاء، ورفقاء أوفياء، يُذكِّرونك إذا نسيت، ويعلمونك إذا جهلت، وينشِّطونك إذا فترت.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»[16].

 

ومتى رأيت بيئة صالحة يغلب على أهلها الخير، ويقل فيها الشر واستطعت أن تكون من أهلها فافعل؛ كما قال ذلك العالم لسائله التائب: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ)[17].

 

وإن أردت أن يستريح بالك ويجتمع، ويلين قلبك وينتفع، ويذهب عنك شر الدنيا وأهلها، والانشغال بمطالبها ولهوها، وتكسو صيامك بالأنوار، وتسلم من ثقل الأوزار، فمن المعينات لك على هذه الغايات: أن تكثر لزوم المسجد الذي ترى فيه تحقق هذه الأهداف النبيلة، فتمكث هناك على القراءة والذكر والصلاة والدعاء والفكر، وغيرها من العبادات.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَلَاةَ كَالْقَانِتِ، وَيُكْتَبُ مِن الْمُصَلِّينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ»[18].

 

ولا تنس-أيها الكريم-سماع مواعظ رمضان النافعة أو قراءتها؛ فإنها تشحذ الهمة، وتجدد النية، وتصحح العبادة، وتصبِّر على تحمل ثقل الطاعة.

 

رزقنا الله وإياكم سلامة النيَّات، والعون على لزوم الطاعات، وهجر السيئات.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون، وأما الخُطة الخامسة فهي: خُطة المشروعات.

إن من علامات تمام الألباب، وتوفيق المعطي الوهَّاب: أن يكون للمسلم مشروع نافع في حياته، على المدى القريب، أو على المدى البعيد.

 

ولما كان رمضان موسم تجارة أخروية رابحة كان ينبغي للقادر أن يكون له مشروع عبادي نافع يحرص عليه، ويصرف وقتًا وجهدًا كبيرين إليه؛ طلبًا لمرضاة ربه، وتكثيرًا لحسناته.

 

فمن كان ذا مال فليكن له مشروع سخاء يستهدف به المحتاجين والفقراء؛ كأن يصنع وجبات إفطار وسحور يطعم بها الأسر المعوزة خلال شهر رمضان، أو يعطيهم من المال ما يكفيهم فيه، أو يكفل مشروع إفطار صائمين، أو يفطرهم في بيته إذا أحب ذلك.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].

 

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»[19].

 

ومن كان ذا علم فليكن له مشروع خالص في تعليم الناس أمور دينهم، خصوصًا ما يناسب شهر رمضان؛ فإن تعليمَ الناسِ الخيرَ من أعظم العبادات.

 

قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ»[20].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَة، وَحَتَّى الْحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ»[21].

 

ومن كان إعلاميًّا فليجعل له مشروع كلمة طيبة ببرنامج نافع للناس يدلهم به على الخير، وينفعهم في دينهم أو دنياهم.

 

وهكذا لو فكر كل منا أن يصنع مشروع خير له، وعزم على ذلك فإنه سيقدر عليه في حدود إمكاناته وأحواله.

 

عباد الله، إن الغاية المنشودة للمؤمن من وراء هذا الاستعداد الرمضاني سامية، فاحرصوا عليه-رحمكم الله- لعلكم تبلغون درجة التقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

ولعلكم تدركون به ليلة القدر، وتنالون مغفرة الرب الكريم:

قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[22].

 

وقال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[23].

 

ولعلكم تظفرون بالعتق من النار؛ قال عليه الصلاة والسلام: «وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»[24].

 

ولعلكم تُجزَون بما اجتهدتم في خير رمضان صلاحَ النفس من فسادها، وسلوكها في سبيل رشادها، واكتسابها شحنةً إيمانيةً كافيةً تضيء حياتها بعد رمضان، ويكون شهرُ الصيام صفحةً جديدة في كتاب الإيمان، والمنطلقَ السديدَ في درب الحياة القصيرة، ليبلِّغ صاحبَه سعادةَ الحياةِ الطويلة.

 

فاستعدوا -رحمكم الله- ولا تكسلوا، وبادروا ولا تسوِّفوا؛ فإن الأيام لا تبقى على حال، ولا أمانَ فيها من هجوم الآجال وانغلاقِ سجل الأعمال.

 

جعلني وإياكم من أهل الجِدِّ والاستعداد، والسائرين في طريق الرشاد.

 

هذا وصلوا وسلموا على خير البشر.



[1] الحماسة البصرية (1/ 52).

[2] رواه البيهقي في شعب الإيمان، وفي الأسماء والصفات، وأبو نعيم في الحلية، والبغوي في شرح السنة، والقضاعي في مسنده، والطبراني في الكبير وفي الدعاء، وقال الهيثمي في المجمع: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، وَهُوَ ثِقَةٌ".

[3] متفق عليه.

[4] رواه أحمد والنسائي والبيهقي بسند حسن.

[5] لطائف المعارف لابن رجب، (ص: 134).

[6] المرجع السابق.

[7] رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي وأبو يعلى، وهو صحيح.

[8] رواه البخاري.

[9] شعب الإيمان (5/ 247).

[10] رواه مسلم عن جابر، والبخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهم.

[11] متفق عليه.

[12] رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم، وهو صحيح.

[13] رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وغيرهم، وهو صحيح.

[14] رواه الترمذي والبيهقي والبزار وابن أبي شيبة، وهو صحيح.

[15] متفق عليه.

[16] رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو حسن.

[17] رواه مسلم.

[18] رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى، وهو صحيح.

[19] رواه أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم، وهو صحيح.

[20] رواه ابن ماجه، وهو حسن.

[21] رواه الترمذي والطبراني، وهو صحيح.

[22] متفق عليه.

[23] متفق عليه.

[24] رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم، وهو صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاستعداد لرمضان
  • شعبان والاستعداد لرمضان
  • شعبان والاستعداد لرمضان
  • الحرمان من خير رمضان مظاهره وأسبابه ووسائل النجاة منه

مختارات من الشبكة

  • الاستعداد الفطري للمعرفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاستعداد لرمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: الاستعداد لرمضان ونصرة فلسطين(مقالة - ملفات خاصة)
  • واقع الاستعداد لرمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاستعداد لرمضان (مطوية)(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • هولندا: مؤتمر النصيحة ومحاضرة عن الاستعداد لرمضان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الاستعداد لرمضان(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • رمضان الخير بين حفاوة الاستقبال وحسن الاستعداد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعداد لشهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا من تريد الفوز برمضان عليك الاستعداد من الآن(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب